فضل الرقية الشرعية على وجه العموم

الرقية الشرعية هي مجموعةٌ من الآيات القرآنية الكريمة والأدعية النبوية والمشروعة التي يدعو بها المسلم مُحسناً الظنّ بربّه أن يحفظه من كلّ ضرٍّ وسوء، ويشفيه ممّا أُصيب به، وهذا اللّجوء إلى الله -سبحانه- والتضرّع بين يديه والتوكّل عليه من أعظم فضائل الرقية الشرعية، أضِف إلى ذلك الشعور بالسكينة والطمأنينة والراحة.


والرقية الشرعية من أعظم الأدوية التي تُحصِّن المسلم وتحميه من الأذى، وصَدق الله -تعالى- إذ يقول: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾،[١] وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنّ الشفاء بالقرآن يحصل للقلوب والأبدان بإذن الله، وأمراض القلوب تشمل الشبهات التي تجعل صاحبها في ضياعٍ وحيرة، والشهوات التي تُبعده عن الطريق المستقيم.[٢]


ولذلك قال ابن القيم -رحمه الله-: "القرآن هو الشِّفاء التَّامُّ من جميع الأدواء القلبيَّة والبدنيَّة، وأدواء الدُّنيا والآخرة،... وإذا أحسن العليل التَّداوي به، ووضَعَه على دائه بصدقٍ وإيمانٍ، وقبولٍ تامٍّ، واعتقادٍ جازمٍ، واستيفاء شروطه لم يقاومه الدَّاءُ أبدًا".[٣]


ثمّ أكمل وقال: "... وكيف تقاوم الأدواءُ كلامَ ربِّ الأرض والسَّماء الذي لو نزل على الجبال لصدَّعها، أو على الأرض لقطَّعها؟ فما من مرضٍ من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيلُ الدِّلالة على دوائه، وسببه، والحِمْية منه، لمن رزقه الله فهمًا في كتابه".[٣]


ومن أبرز فضائل الرقية الشرعية الأخرى ما يأتي:[٤]

  • الرقية الشرعية هي إحدى شعائر هذا الدين العظيم، فقد جاء الحثّ عليها في العديد من الأحاديث في السنة النبوية الشريفة.
  • الرقية الشرعية تُعين على عدم هجر القرآن وتركه، فقد ذكر أهل العلم من أنواع هَجْره: ترك الاستشفاء به.
  • بابٌ من أبواب الدّعوة إلى الله -تعالى-، فالنّاس تحتاج إلى مَن يجبر كسرها ويُطمْئِنها، ويكون رحيماً بها ومُعيناً لها على الخير والشفاء، فإذا كان الراقي صالحاً ومؤتمناً كان له أثرٌ على مَن يرقيهم، وهذه فرصةٌ للدعوة إلى الله -تعالى-.
  • الرقية الشرعية مخرجٌ للكثير من المشكلات والأمراض والمصائب والآلام، فلا يخلو بيتٍ من وجود مبتلىً فيه، والاستشفاء بالقرآن الكريم وأدعية الرقية له أثرٌ عظيم في دفع ذلك أو التخفيف منه بإذن الله.


من فضائل بعض أذكار وأدعية الرقية الشرعية

ثبتت العديد من الفضائل في الكثير من أوراد الرقية الشرعية، فضلاً عن الفضائل العظيمة التي لخّصناها سابقاً، ونذكر من أبرزها ما يأتي:


سورة الفاتحة

كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يرقون المريض بسورة الفاتحة، وقد سأل أبو سعيد الخدري النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فأقرّه وقال له: (وما يُدْرِيكَ أنَّهَا رُقْيَةٌ؟ أصَبْتُمْ)،[٥] ولذلك تُسمّى هذه السورة الكريمة بالشافية، ويسمع النّاس باستمرار عن قصصٍ عظيمة في أثر هذه السورة القرآنية الكريمة في الشفاء.


سورة البقرة

سورة البقرة من أعظم السور التي تُحصّن المسلم وتدفع عنه السحر والأذى، ويدلّ على ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ)،[٦] والبطلة هم السّحرة، كما أنّ هذه السورة الكريمة تطرد الشياطين من البيت، فقد قال النبي الكريم: (لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إنَّ الشَّيْطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ البَقَرَةِ).[٧]


آية الكرسي

قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة -رضي الله عنه- عن آية الكرسي: (إذا أويتَ إلى فراشِكَ، فاقرأ آيةَ الكُرسيِّ (اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)، [البقرة: 255] فإنَّهُ لن يَزالَ معَكَ مِنَ اللَّهِ حافظًا، ولا يقربَكَ الشَّيطانُ، حتَّى تُصْبِحَ).[٨]


وهي كذلك أعظم آيةٍ في القرآن الكريم، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: (يا أبا المُنْذِرِ، أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ. قالَ: يا أبا المُنْذِرِ أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}، [البقرة:255] قالَ: فَضَرَبَ في صَدْرِي، وقالَ: واللَّهِ لِيَهْنِكَ العِلْمُ أبا المُنْذِرِ).[٩]


خواتيم سورة البقرة

ثبت في فضل قراءة خواتيم سورة البقرة ليلاً أنّها تحصّن المؤمن وتكفيه من الضرر والسوء بإذن الله، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن قَرَأَ بالآيَتَيْنِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتاهُ).[١٠]


الإخلاص والمعوّذتين

كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يُحصّن نفسه كلّ ليلةٍ بقراءة سورة الإخلاص والمعوّذتين في كفّيْه، ثمّ مسح ما استطاع من بدنه رجاء بركة هذه السور العظيمة في التحصين، فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ إذا أوَى إلى فِراشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَع كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِما، فَقَرَأَ فِيهِما: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، ثُمَّ يَمْسَحُ بهِما ما اسْتَطاعَ مِن جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بهِما علَى رَأْسِهِ ووَجْهِهِ وما أقْبَلَ مِن جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذلكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ).[١١]


فضل بعض الأدعية

أدعية الرقية الشرعية لها العديد من الفضائل العظيمة، وممّا صحّت الإشارة إليه في ذلك ما يأتي:

  • قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجلٍ اشتكى من ألمٍ في بدَنِه: (امسَحهُ بيمينِكَ سبعَ مرَّاتٍ، وقل: أعوذُ بعزَّةِ اللَّهِ وقدرتِهِ، من شرِّ ما أجدُ، قالَ: ففعلتُ ذلِكَ، فأذهبَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ ما كانَ بي، فلَم أزَلْ آمرُ بِهِ أَهْلي وغيرَهُم).[١٢]
  • قال -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن عبدٍ يقولُ في صباحِ كلِّ يومٍ ومساءِ كلِّ ليلةٍ: بسمِ اللهِ الَّذي لا يضرُّ معَ اسمِهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماءِ وَهوَ السَّميعُ العليمُ ثلاثَ مرَّاتٍ فيضرَّهُ شيءٌ).[١٣]

المراجع

  1. سورة الإسراء، آية:82
  2. "الاستشفاء بالقرآن الكريم..علاج للقلوب أم للأبدان؟"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 13/7/2023. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ابن القيم، زاد المعاد في هدي خير العباد، صفحة 520، جزء 4.
  4. د. محمد الجوراني، الرقية الشرعية من الكتاب والسنة النبوية، صفحة 75-77. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:5749، صحيح.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:804، صحيح.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:780، صحيح.
  8. رواه ابن خزيمة، في صحيح ابن خزيمة، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:4/ 15، أخرجه في صحيحه.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي بن كعب، الصفحة أو الرقم:810، صحيح.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، الصفحة أو الرقم:5009، صحيح.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:5017، صحيح.
  12. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عثمان بن أبي العاص الثقفي، الصفحة أو الرقم:3891، صححه الألباني.
  13. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم:3388، حسن صحيح غريب.