الرقية والتحصين بقراءة آية الكرسي

ثبت في فضل آية الكرسي أنّها تُحصّن قارئها وتحفظه بإذن الله من الشيطان والأذى، لأنّ الشيطان يسعى دائماً للإضرار بالعباد، ولكنّه ينفر ويفرّ عند قراءة آية الكرسي، ولا يستطيع التسلّط على قارئها، ودائماً ما يذكر الرقاة وأهل العلم هذه الآية مع آيات الرقية الشرعية؛ لِما لها من الأثر العظيم في النّفع والتحصين من الحسد والسحر ونحو ذلك من الأذى.


أمّا كيفية الرقية بآية الكرسي فتكون بقراءتها مع آيات الرقية الشرعية مباشرة على النفس أو على المصاب، أو بقراءتها على الماء مع النفث فيه، ثم شربه أو الاغتسال به، بالإضافة إلى المحافظة على قراءتها في المواطن الآتية:[١]

  • قراءتها مع أذكار الصباح وأذكار المساء.
  • قراءتها بعد كلّ صلاة.
  • قراءتها قبل النوم، فهي تحفظ صاحبها بإذن الله حتى يُصبح.


الأدلة على فضل آية الكرسي في الرقية

ثبتت العديد من النصوص الشرعية التي تدلّ على فضل آية الكرسي في التحصين والحرز من الضرّ والأذى والشيطان، ونذكر أبرزها فيما يأتي:[٢]


أعظم آية في القرآن

لا شكّ أن فضل آية الكرسي العظيم يدلّ على نفعها بإذن الله في باب الرقية والتحصين، كيف لا وقد أخبر النبيّ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أنّها أفضل آيةٍ في القرآن، فقد قال النبي الكريم: (يا أبا المُنْذِرِ، أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ. قالَ: يا أبا المُنْذِرِ أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}، [البقرة:255] قالَ: فَضَرَبَ في صَدْرِي، وقالَ: واللَّهِ لِيَهْنِكَ العِلْمُ أبا المُنْذِرِ).[٣]


قصّة أبي هريرة مع الشيطان

أوكل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم صاحبه أبا هريرة -رضي الله عنه- بحراسة وحفظ مال زكاة الفطر، فجاء رجلٌ وصار يأخذ من الطعام بكفّيه، فأمسكه أبو هريرة وقال له: "واللَّهِ لَأَرْفَعَنَّكَ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، فطلب منه الرجل المعذرة لأنّه محتاجٌ وجائعٌ ولديه عيال، فخلّى أبو هريرة سبيله.[٤]


وفي الصباح قال النبيّ الكريم لأبي هريرة: (يا أبَا هُرَيْرَةَ، ما فَعَلَ أسِيرُكَ البَارِحَةَ؟ قَالَ: قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وعِيَالًا، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: أَمَا إنَّه قدْ كَذَبَكَ، وسَيَعُودُ...)،[٥] وبالفعل عاد ذلك الرجل مرة ثانيةً وثالثة، وهنا موطن الشاهد، إذ يقول أبو هريرة -رضي الله عنه-:


(... فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فأخَذْتُهُ، فَقُلتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إلى رَسولِ اللَّهِ، وهذا آخِرُ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ أنَّكَ تَزْعُمُ لا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ، قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بهَا، قُلتُ: ما هُوَ؟ قَالَ: إذَا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} 255، حتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ؛ فإنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، ولَا يَقْرَبَنَّكَ شَيطَانٌ حتَّى تُصْبِحَ. فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فأصْبَحْتُ، فَقَالَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما فَعَلَ أسِيرُكَ البَارِحَةَ؟).[٥]


(قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، زَعَمَ أنَّه يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بهَا، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: ما هي؟ قُلتُ: قَالَ لِي: إذَا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ مِن أوَّلِهَا حتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} 255، وقَالَ لِي: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، ولَا يَقْرَبَكَ شيطَانٌ حتَّى تُصْبِحَ -وكَانُوا أحْرَصَ شَيءٍ علَى الخَيْرِ- فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَمَا إنَّه قدْ صَدَقَكَ، وهو كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَن تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ يا أبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: ذَاكَ شَيطانٌ).[٥]


قصة أُبي بن كعب مع الجنّي

كان لأبيّ بن كعب -رضي الله عنه- جَرين تمر؛ وهو موضعٌ من الأرض تُجفّف فيه الثمار، وذات يومٍ وجده ينقص، فحرسه في تلك الليلة، فجاءه غلامٌ وسلّم عليه، فردّ أُبيّ بن كعب عليه السلام وسأله: "أَجِنِّيٌّ أَمْ إنسِيٌّ؟ فقالَ: بل جِنِّيٌّ"، وعندما تحقّق أُبيّ من علاماتٍ فيه أيقن أنّه جنّي حقاً، فسأله عن سبب مجيئه، فقال له: "أُنبِئنا أنَّكَ تُحِبُّ الصَّدقَةَ، فجِئنا نُصيبُ مِن طعامِكَ".[٦]


فقال له أُبيّ: "ما يُجيرُنا منكم؟ قالَ: تَقرأُ آيةَ الكُرسيِّ مِن سورةِ البقرةِ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}، 255 قالَ: نَعَمْ، قالَ: إذا قرَأْتَها غُدوَةً؛ أُجِرتَ مِنَّا حتَّى تُمسيَ، وإذا قرَأْتَها حينَ تُمسي؛ أُجِرْتَ مِنَّا حتَّى تُصبِحَ"، قال أبيّ: (فغَدَوْتُ إلى رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فأَخبرْتُهُ بذلك، فقالَ: صَدَقَ الخبيثُ).[٦]

المراجع

  1. محمد إسماعيل المقدم، دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم، صفحة 5، جزء 3. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 89-91، جزء 82. بتصرّف.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي بن كعب، الصفحة أو الرقم:810، صحيح.
  4. "شروح الأحاديث"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 7/3/2023. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2311، معلق وصححه العديد من المحدثين.
  6. ^ أ ب رواه المستدرك على الصحيحين، في الحاكم، عن أبي بن كعب، الصفحة أو الرقم:2091، صحيح الإسناد.