متى تكون الرقية محرّمة؟

جعل الله -عز وجل- للرقية أسباباً مشروعة، وهي كافيةٌ ووافية، وتُغني عن الأسباب غير المشروعة حتى وإن تعلّقت بها القلوب، ووجدت فيها مخرجاً لها، أو ادّعاها بعض مَن يزعم أنّه من الرّقاة، فكلّ ما يدخل فيه الحرام لا خير ولا نفع فيه، وتكون الرقية محرّمة في العديد من الحالات، ومن أبرزها ما يأتي:


وجود الشرك فيها

الشرك من أعظم المحرّمات في الإسلام، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرّقية: (... لا بَأْسَ بالرُّقَى ما لَمْ يَكُنْ فيه شِرْكٌ)،[١] والشرك في الرُّقى قد يكون على قِسمين، وكِلاهما محرّم، وبيانهما فيما يأتي:[٢]

  • الشرك الأكبر

الشرك الأكبر هو الشّرك الذي يُخرج صاحبه من الملّة، ومثاله في الرقية المحرّمة: أن تكون بأسماء الأنبياء والملائكة، أو بأسماء الأموات والمقبورين، أو الرقية باسم الجنّ أو الشيطان أو الصنم ونحو ذلك، فيعتقد الراقي لنفسه أو لغيره أنّ هؤلاء ينفعونه من دون الله -عز وجل-، وهذا شِركٌ أعظم يُخرج فاعله من الملّة.


  • الشرك الأصغر

يجب على المرء أن يحذر كلّ الحذر من الشرك الأصغر أو ما يؤدّي إليه في الرّقية أو في غيرها، ومثال الشرك الأصغر الحاصل في الرقية: أن يعتقد الراقي أنّ الرّقية في ذاتها هي التي تشفي المريض، فيُصبح الاعتماد القويّ عليها، مع أنّ الشفاء بيد الله -تعالى- وحده، أو إذا فُقِد شيءٌ من شروط الرّقية الشرعية، فتُصبح شركاً أصغر.


ومثال ذلك أن تكون الرقية بغير اللغة العربية؛ كالإنجليزية أو الفارسية ونحوها، وقد قال الخطّابي: إنّ هذا النوع من الرّقى يعدّ من الشّرك الأصغر، لأنّه يُفضي إلى الشرك الأكبر، فالرقية بغير العربية يُمكن أن يقع فيها شركٌ كثير لا يعلمه العربي، وقد يستعين مَن يدّعي الرقية في لغته بالجنّ أو الملائكة ونحوه دون أن يعلم المرقي بذلك.


مخالفات شرعية عند علاج النساء

تكون الرقية محرّمة إذا خالطتها العديد من المحظورات والأخطاء، ومن ذلك ما يحصل من التجاوزات عند رقية النساء مِن قِبل مَن يدّعي ذلك من الرجال، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: (ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أضَرَّ علَى الرِّجالِ مِنَ النِّساءِ)،[٣] ومن المحظورات المحرّمة التي يُمكن أن تحصل في رقية مَن يدّعي ذلك للنساء ما يأتي:[٤]

  • النظر إلى المرأة بحجّة معرفة نوع الجنّ -بحسب زعم مَن يدّعي معرفته بذلك-.
  • وضع اليد أثناء القراءة على بدن المريضة.
  • معالجة المريضة والقراءة عليها دون وجود مَحرمٍ معها، وهذا بلا شكّ من الخلوة المحرّمة.


الابتداع في الأذكار

يحرم الابتداع في الأذكار في الرقية وفي غيرها، ومثال ذلك تقييد الذّكر الذي أطلقه الشرع بأعدادٍ محدّدة وإلزام الغير بها، مثل القول بأنّ الآية كذا تُقرأ سبعاً وسبعين مرة، والذّكر كذا يُقال ألف مرة، وهكذا، بالإضافة إلى ابتداع طرقٍ غريبة لم ترد في النصوص الشرعية أو عن السلف، مثل مَن يشترط كتابة أذكارٍ معيَّنةٍ بلونٍ محدَّدٍ على طبقٍ أبيض صينيٍّ، ثمّ محوها بالماء وسقيها للمريض، فكلّ هذه التفصيلات غير منطقيّة ولا تجوز ولم تثبت.[٥]


حالات أخرى تجعل الرقية محرّمة

هناك العديد من الأمور الأخرى التي يجب اجتنابها في الرقية، لأنّها محرّمة، ومن ذلك ما يأتي:[٦]

  • امتهان الرقية وأخذ الأجور المُبالغ فيها، وهذا ليس له أصلٌ في الشرع.


  • الاستعانة بالجنّ والاتّفاق معهم وتصديقهم، أو استخدامهم لمعرفة مكان السحر ومعرفة الساحر، ونحو ذلك من الشعوذات، فهذا العالم غيبٌ لا يعلم بتفاصيله إلا الله -سبحانه-، كما أخبر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنّ كذب الجنّ أكثر من صدقهم.


  • طلب فعل أمور غريبة، أو استعمال حركات لا أصل لها شرعاً ولا دليل علمي أو منطقي عليها، ويعدّ ذلك كلّه من الدّجل والشعوذة، ومن هذه الأمور مثلا:
  • ضرب المريض بدعوى إخراج الجنّ منه، ويكون الضرب أحياناً شديداً.
  • استعمال الصراخ والعويل أثناء الرقية.
  • التمتمة والتحدّث بأمور غير مفهومة بين الآيات والأدعية.
  • جعل الأضواء خافتة، أو إطفاؤها ووضع الستائر.
  • استعمال الصعق الكهربائي بحجّة أنّها تُستخدم في إخراج الجنّ.

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عوف بن مالك الأشجعي، الصفحة أو الرقم:2200، صحيح.
  2. محمد حسن عبد الغفار، شرح الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد، صفحة 9، جزء 8. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أسامة بن زيد، الصفحة أو الرقم:5096، صحيح.
  4. محمود الملاح، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن، صفحة 336. بتصرّف.
  5. محمود الملاح، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن، صفحة 337. بتصرّف.
  6. ناصر العقل، دروس الشيخ ناصر العقل، صفحة 17، جزء 12. بتصرّف.