هل تنفع الرقية الشرعية عن بُعد؟

لا تُشرع الرقية عن بُعد، لأنّ السنّة أن تكون الرقية الشرعية على المريض مباشرةً، ولذلك سُئل جمعٌ من علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن حكم الرقية الشرعية عن بُعدٍ، فقالوا: "الرقية لا بد أن تكون على المريض مباشرة، ولا تكون بواسطة مكبر الصوت، ولا بواسطة الهاتف؛ لأن هذا يخالف ما فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- وأتباعهم بإحسان في الرقية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَن أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليسَ منه فَهو رَدٌّ)".[١][٢]


ويدلّ على عدم مشروعية الرقية عن بُعدٍ النصوص الشرعية في السنة النبوية الشريفة، إذ لم يُنقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته -رضوان الله عليهم- أنّهم كانوا يفعلون ذلك، بل كانت كلّ رقيتهم للمريض بالقراءة عليه مباشرةً.[٣]


أمّا ما ينفع الشخص البعيد أو غير الموجود فهو الدعاء، فيُشرع الدعاء له بالصحة والعافية والشفاء والسّلامة من كلّ أذىً ومكروه، والدعاء في ظهر الغيب مُستجابٌ بإذن الله، وحثّ عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّما دَعَا لأَخِيهِ بخَيْرٍ، قالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بهِ: آمِينَ وَلَكَ بمِثْلٍ).[٤][٣]


كما أنّ الرقية عن بُعد تفتقر أموراً مهمَّةً موجودة في الرقية المباشرة، ومنها سماع آيات وأدعية الرقية الشرعية، والتفاعل معها بالتدبّر، واستحضار نيّة الاستشفاء بأوراد الرقية، والنّفث بعد الرقية، فكلّ هذه الأمور لها أثرٌ في الانتفاع من الرقية، لِذا كان الأصل في الرقية المباشَرة، أما ما يُشرع للبعيد فهو الدعاء، ويُمكن قراءة الرقية على الماء مباشرةً وإرسالها له حتى ينتفع منها.[٥]


حكم قراءة القرآن والتوسل به لشفاء مريض

أوضحنا فيما سبق أن الأصل في الرقية الشرعية أن تكون مباشرةً، ليحصل النّفع والنّفث على المريض، ولكن قد يقرأ المسلم ما تيسّر من القرآن الكريم على سبيل التوسّل إلى الله -تعالى- بشفاء مريضٍ بعيد، فهل يجوز ذلك؟


وقد أجاب أهل العلم بجواز فعل ذلك، لأنّ هذا الأمر من التوسّل المشروع، وهو التوسّل بالعمل الصالح، فيُشرع للمسلم أن يسأل الله -سبحانه- ما شاء من الحاجات بعد عمله الصالح، ودلّ على مشروعية ذلك العديد من النصوص الشرعية، ومنها قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من قرأ القرآنَ، فليسألِ اللهَ به، فإنه سيجيءُ أقوامٌ يقرؤون القرآنَ يسألونَ به الناسَ).[٦][٧]


وقد قال المباركفوري في تحفة الأحوذي موضِّحاً لمعنى فليسأل الله به: "أَيْ فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْقُرْآنِ مَا شَاءَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ فَلْيَسْأَلْهَا مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى-، أَوْ بِآيَةِ عُقُوبَةٍ فَيَتَعَوَّذُ إِلَيْهِ بِهَا مِنْهَا".[٨]


ويدلّ على ذلك أيضاً قصّة الثلاثة الذين سدّت الصخرة طريقهم، فتوسّل كلٌّ منهم بعملٍ صالحٍ ففرّج الله -تعالى- عنهم، فإذا لم يتمكّن المرء من مباشرة المريض جاز أن يدعو له بالشفاء ودفع الأذى، والتوسّل بقراءة القرآن الكريم.[٧]

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1718، صحيح.
  2. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فتاوى اللجنة الدائمة، صفحة 92، جزء 1.
  3. ^ أ ب "هل يجوز قراءة الرقية على الغائب؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 6/9/2023. بتصرّف.
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن صفوان بن عبدالله بن صفوان، الصفحة أو الرقم:2733، صحيح.
  5. "حكم الرقية من بُعد"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 6/9/2023. بتصرّف.
  6. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم:2917، حسن.
  7. ^ أ ب "هل تصح الرقية بالقرآن عن بعد للمسحور أو المريض"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 6/9/2023. بتصرّف.
  8. عبد الرحمن المباركفوري، تحفة الأحوذي، صفحة 189، جزء 8.