كيفية النفث في الرقية

ثبت النّفث مع الرقية والتحصين عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في مواضع عدّة؛ فإمّا أن يكون النّفث بالنّفخ في اليدين ثمّ مسح البدن بهما، وهذا ثابتٌ في بعض أذكار النّوم، وإما أن يكون النّفث مباشرةً على المريض أو المرقي عند رقيته.[١]


ويكون النّفث على المرقي بالرقية المُباشرة، فينفث الراقي عليه في مكان القراءة، وإن لم يكن المريض ملاصقاً له ما دام النّفث يصل إليه، فهذه هي الصفة الثابتة عن النبي الكريم، ولكن تعدّدت آراء أهل العلم في صفة النّفخ في النّفث، فقيل: هو "نفخٌ مع ريقٍ يسير".[٢]


وقال النووي: "النفث نفخٌ لطيفٌ بلا ريق،.. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ وَاسْتَحَبَّهُ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ"، وذكر القاضي الحِكمة من النّفث فقال: "... وَفَائِدَةُ التَّفْلِ التَّبَرُّكُ بِتِلْكَ الرُّطُوبَةِ وَالْهَوَاءِ وَالنَّفَسِ الْمُبَاشِرَةِ لِلرُّقْيَةِ وَالذِّكْرُ الْحَسَنُ".[٣]


ومن الأحاديث التي تبيّن مشروعية وكيفية النفث ما يأتي:

  • عن عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كانَ إذَا اشْتَكَى نَفَثَ علَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ، ومَسَحَ عنْه بيَدِهِ، فَلَمَّا اشْتَكَى وجَعَهُ الذي تُوُفِّيَ فِيهِ، طَفِقْتُ أنْفِثُ علَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ الَّتي كانَ يَنْفِثُ، وأَمْسَحُ بيَدِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عنْه).[٤]
  • عن عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كانَ إذا أوَى إلى فِراشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَع كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِما، فَقَرَأَ فِيهِما: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، ثُمَّ يَمْسَحُ بهِما ما اسْتَطاعَ مِن جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بهِما علَى رَأْسِهِ ووَجْهِهِ وما أقْبَلَ مِن جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذلكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ).[٥]


هل يكون النفث قبل قراءة الرقية أم بعدها؟

تعدّدت آراء أهل العلم في كَوْن النّفث قبل الرقية أم بعدها تِبعاً لتعدّد أفهامهم لمعنى الفاء الواردة في الحديث السابق الذي أخرجه الإمام البخاري عن عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ إذا أوَى إلى فِراشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَع كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِما، فَقَرَأَ فِيهِما...)،[٥] ونذكر أقوالهم فيما يأتي:[٦]

  • قال المباركفوري: الفاء تدلّ على تأخير القراءة مع أنّ الظاهر للقارئ العكس، ولكنّ المراد: "ثمّ أراد النّفث فقرأ"، وهذا يدلّ على أنّ القراءة قبل النّفث.
  • أكّد المطهر على القول السابق، وقال إنّ الفاء هنا للتعقيب، والظاهر يدلّ على أنّ النفث أولاً، لكنّ هذا لم يقل به أحد، وربما كان ذلك من سهو الراوي أو الكاتب، إذْ لا فائدة في النفث قبل القراءة، بل الفائدة فيه بعد القراءة، والحكمة من ذلك حتى يوصل الراقي للمرقي والمريض بركة القرآن وذكر الله بهذا النفس والنفث بعد القراءة.
  • حمل بعض أهل العِلم الحديث على ظاهره، فقالوا يدلّ الحديث على أنّ النّفث يسبق القراءة.
  • توسّع بعض أهل العلم في ذلك، فقالوا بجواز الأمرين، فقال ابن عثيمين -رحمه الله-: "الأمر في ذلك واسع إن شاء الله؛ فأيهما فعل حصل المطلوب: النفث أولاً، أو القراءة أولاً".


هل تنفع الرقية بدون نفث؟

تجوز الرقية بدون نفث، فقد ثبتت العديد من الأحاديث عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- التي تبيّن رقيته لغيره دون ذِكر النّفث، ومن ذلك قول عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ إذَا عَادَ مَرِيضًا يقولُ: أَذْهِبِ البَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، اشْفِهِ أَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا)،[٧] وغيرها من أحاديث الرقية التي لم يُذكر فيها النّفث.[٨]


وجواز الرقية بدون نفث يدلّ على نفعها كذلك بإذن الله، لكن أهل العلم يرون أنّ النّفث مع الرقية أفضل وأنفع، وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: "الرقية عمل يحتاج إلى اعتقاد ونية حال أدائها، ومباشرة للنفث على المريض، وهذا يدل على أن النفث أمر أساسي في الرقية، لكن لا نستطيع القطع بأن القراءة والدعاء بنية الرقية دون نفث لا تعد رقية، وعلى كل فيرجى حصول النفع بالدعاء بعد التلاوة".[٩]

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 157، جزء 10. بتصرّف.
  2. " كيفية الرقية الشرعية"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 14/3/2023. بتصرّف.
  3. النووي، شرح النووي على مسلم، صفحة 182، جزء 114.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:4439، صحيح.
  5. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:5017، صحيح.
  6. "هل النفث يكون قبل القراءة أو بعدها؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 14/3/2023. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2191، صحيح.
  8. إبراهيم بن سعد أبا حسين، معجم التوحيد، صفحة 240، جزء 2. بتصرّف.
  9. "النفث في الرقية"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 14/3/2023.