هل تنفع الرقية بدون نفث؟

النفث في اللغة هو: البصاق من الفم، ونفث الراقي هو: نفخه من فمه،[١] والنفث من الأمور المستحسنة في الرقية أثناء القراءة أو بعدها، ولا بأس بتركه ولا يترتّب أي حرجٍ بتركه، فالرقية صحيحةٌ دون نفثٍ،[٢] فالنفث شُرع لتحصيل وتحقيق البركة بالريق المخالط لذكر الله وتلاوة آياته، ويُشرع النفث على المريض مباشرةً أو على الماء المقروء عليه، فهو من الأمور المستحبّة في الرقية عند قراءة الآيات والأدعية المشروعة، وفيما يأتي بيان بعض أدلّة استحباب النفث بشكلٍ عامٍ واستحبابه في الرقية بشكلٍ خاصٍ:[٣]

  • أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي قتادة الحارث بن ربعي -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (الرُّؤْيا مِنَ اللَّهِ، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطانِ، فإذا رَأَى أحَدُكُمْ شيئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفِثْ حِينَ يَسْتَيْقِظُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ويَتَعَوَّذْ مِن شَرِّها، فإنَّها لا تَضُرُّهُ).[٤]
  • أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أوَى إلى فِرَاشِهِ، نَفَثَ في كَفَّيْهِ بقُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ وبِالْمُعَوِّذَتَيْنِ جَمِيعًا، ثُمَّ يَمْسَحُ بهِما وجْهَهُ، وما بَلَغَتْ يَدَاهُ مِن جَسَدِهِ).[٥]
  • أخرج البخاري عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ في الرُّقْيَةِ: تُرْبَةُ أرْضِنَا، ورِيقَةُ بَعْضِنَا، يُشْفَى سَقِيمُنَا، بإذْنِ رَبِّنَا)،[٦] قال الإمام النوويّ -رحمه الله-: "فيه استحباب النفث في الرقية، وقد أَجمعوا على جوازه، واستحبه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم".
  • أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيدٍ الخدريّ -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (جَعَلَ يَقْرَأُ أُمَّ القُرْآنِ، وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ فَبَرَأَ الرَّجُلُ).[٧]
  • قال الإمام ابن القيّم -رحمه الله-: "وبالجملة فنفس الراقي تقابل تلك النفوس الخبيثة، وتزيد بكيفية نفسه، وتستعين بالرقية، والنفث على إزالة ذلك الأَثر، واستعانته بنفثه كاستعانة تلك النفوس الرديئة بلسعها، وفي النفس سرٌ آخرٌ، فإنّه ممّا تستعين به الأَرواح الطيبة والخبيثة؛ ولهذا تفعله السحرة، كما يفعله أَهل الإيمان".


شروط الرقية الشرعية

أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لا بَأْسَ بالرُّقَى ما لَمْ يَكُنْ فيه شِرْكٌ)،[٨] فتُشترط في الرقية الشرعية ثلاثة أمورٍ لا تصحّ إلّا بها، فيما يأتي بيانها وشرحها:[٩]

  • أن تكون الرقية بكلام الله -عزّ وجلّ- وأسمائه وصفاته، وبما ثبت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
  • أن تكون الرقية باللسان العربي؛ أي باللغة العربية، وهو شرطٌ ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، فلا تجوز الرقية الشرعية بغير العربية وإن عُرف معنى الكلام، فالدعاء مكروهٌ بغير اللغة العربية.
  • أن يعتقد الراقي والمرقيق يقيناً بأنّ الرقية الشرعية لا تؤثّر بذاتها وإنّما بتقدير الله -عزّ وجلّ- فهو وحده القادر على شفاء عباده وتقدير الخير لهم.


أمورٌ يستحسن مراعاتها في الرقية الشرعية

يُستحسن بالمسلم مراعاة عدّة أمورٍ في الرقية الشرعية، فيما يأتي بيان عددٍ منها:[٢]

  • الطهارة التامة للراقي (مَن يقرأ الرقية) والمرقي (مَن تُقرأ عليه الرقية).
  • استقبال الراقي للقبلة.
  • تدبّر وتفكّر الراقي والمرقي لنصوص الرقية الشرعية من الآيات القرآنية والأدعية النبوية.
  • الخشوع والخضوع أثناء تلاوة الرقية، وتعلّق القلب بالله وحده والتوكّل عليه والاستعانة به وحده -سبحانه- فهو القادر على كلّ شيءٍ.
  • وضع اليد على الجبهة أو على موضع الألم أثناء تلاوة الرقية، ويُستثنى ممّا سبق وضع الرجل يده على النساء من غير محارمه.
  • تكرار الآيات والأدعية التي تأثّر بها المرقي ثلاث أو خمس أو سبع مراتٍ.
  • المداومة على الرقية الشرعية إلى حين تحسّن المريض وشفائه بإذن الله.
  • تجوز قراءة الرقية الشرعية سراً أو جهراً، والجهر بها أولى وأفضل.


مسائل أخرى متعلقة بالرقية

رقية المسلم نفسه

أنفع الرقى وأفضلها رقية المسلم نفسه بنفسه، فقد حذّر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من طلب الرقية من الغير، أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عمران بن الحصين -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِن أُمَّتي سَبْعُونَ ألْفًا بغيرِ حِسابٍ، قالوا: مَن هُمْ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: هُمُ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ، ولا يَتَطَيَّرُونَ، ولا يَكْتَوُونَ، وعلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).[١٠][٩]


الرقية بسورة الفاتحة

سورة الفاتحة من أنفع ما يُقرأ على المريض، لِما تتضمنه من دلالاتٍ عظيمةٍ من إخلاص العبودية لله -سبحانه- والثناء عليه والتوكّل عليه وحده ودعائه، كما ثبت في الصحيح فضل سورة الفاتحة في شفاء المرضى.[٩]


أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي سعيدٍ الخدريّ -رضي الله عنه-: (انْطَلَقَ نَفَرٌ مِن أَصْحَابِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حتَّى نَزَلُوا علَى حَيٍّ مِن أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فأبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذلكَ الحَيِّ، فَسَعَوْا له بكُلِّ شيءٍ لا يَنْفَعُهُ شيءٌ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: لو أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شيءٌ، فأتَوْهُمْ، فَقالوا: يا أَيُّهَا الرَّهْطُ إنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا له بكُلِّ شيءٍ لا يَنْفَعُهُ، فَهلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنكُم مِن شيءٍ؟ فَقالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، وَاللَّهِ إنِّي لَأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَما أَنَا برَاقٍ لَكُمْ حتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ علَى قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عليه، وَيَقْرَأُ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ فَكَأنَّما نُشِطَ مِن عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَما به قَلَبَةٌ...).[١١][٩]


المراجع

  1. فريق الموقع، "تعريف و معنى نفث في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2022. بتصرّف.
  2. ^ أ ب د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي، "إرشادات عامة يجب أن تراعى عند الرقية الشرعية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2022. بتصرّف.
  3. فريق الموقع، "هل تحصل الرقية بالقراءة على الماء دون النفث فيه؟"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2022. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم:5747، صحيح.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم المؤمنين عائشة، الصفحة أو الرقم:5748، صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:5746، صحيح.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:2201، صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عوف بن مالك الأشجعي، الصفحة أو الرقم:2200، صحيح.
  9. ^ أ ب ت ث فريق الموقع، "الرقية الشرعية"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2022. بتصرّف.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم:218، صحيح.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:2276، صحيح.