فوائد الرقية الشرعية المسموعة

لا شك أنّ للرقية الشرعية المسموعة فوائد لا يُنكرها أحد، فالرقية الشرعية هي مجموعةٌ مختارةٌ من الآيات والأدعية القرآنية والأذكار المأثورة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وما يفتح الله به على المسلم من أدعيةٍ مشروعةٍ أخرى، ولكن أيّهما أكثر نفعاً؛ الرقية الشرعية المسموعة أم المقروءة؟ 


يجد أهل التحقيق أنّ الرقية الشرعية المسموعة تقتضيها ظروف المرقي، ومن ذلك: عدم حفظه لآيات الرقية الشرعية، وعدم تمكّنه من قراءتها، كأنْ يكون أُمِّياً لا يستطيع القراءة، أو يكون غير عربي، ومعلومٌ أنّ الرقية الشرعية لا تجوز بغير العربية، ويمكن أيضاً أن يكون في وضعٍ لا يستطيع معه القراءة وإن كان قادراً عليها؛ كأن يكون مريضاً جداً ولا يقوى على فعل ذلك.


وفي هذه الحالة فإنّ سماع الرّقية الشرعية نافعٌ بإذن الله، خاصَّةً إذا رافقها الإخلاص، واستشعار ضعف حال الإنسان، وشكواه إلى خالقه العظيم، وتدبّر الآيات والأدعية، فكلّ ذلك يجعل الانتفاع بالرّقية المسموعة أعظم، سواءً كان سماعها من الهاتف، أو المسجّل، أو التلفاز، وقد جرّب العديد من النّاس سماع الرّقية وانتفعوا بها، وأفتى ابن باز -رحمه الله- بأنّ قراءة سورة البقرة من المسجّل يحصل بها طرد الشياطين من المنزل، وهذا يدلّ على الانتفاع بالرقية المسموعة أيضاً.[١]


وقد جاء في فتاوى دائرة الإفتاء السعودية أنّ الأصل في الرقية أن تكون مباشرةً؛ اقتداءً بالنبيّ الكريم والسلف الصالح، ورقية المريض مباشرةً ضروريّة لحاجته للنّفث ونحوها من الاعتبارات التي سيأتي التفصيل بها لاحقاً، ولكنّ ذلك لا يمنع من حصول الفائدة من سماع الرقية الشرعية بإذن الله،[٢] خاصة إذا كان صاحبها لا يستطيع أن يرقي نفسه إلا بهذه الطريقة.


الفرق بين أثر سماع الرقية وأثر قراءتها

إنّ في الرقية الشرعية نفعاً عظيماً وخيراً كبيراً بإذن الله، سواءً كانت مسموعةً أو مقروءةً من قِبل المريض على نفسه، ولكن يرى العديد من العلماء أنّ سماعها لا يُغني عن قراءتها مباشرة من المريض نفسه إذا كان قادراً على ذلك،[٣] أمّا إذا كان عاجزاً عن قراءتها -كما أسلفنا في الحالات السابقة- فإنّ رحمة الله واسعة، وهو -سبحانه- مُطَّلِعٌ على مقدرته وعجزه ونيّته، ولا يُكلِّفُ نفساً إلا وُسعها.


ويرى أهل العلم والمختصّون في الرقية أنّ قراءة الرقية الشرعية مباشرة للقادر على ذلك أنفع من الاكتفاء بسماعها لعدّة اعتبارات، ومنها ما يأتي:

  • الإخلاص واستشعار الحاجة والفقر إلى الله

إنّ المسلم الذي يحتاج إلى الرقية هو الأشدّ حاجة من غيره، فإذا رقى نفسه بقراءة الرقية الشرعية سيكون الأكثر إخلاصاً وضراعةً وإلحاحاً واستشعاراً بفقره إلى الله -سبحانه-، لِذا فإنّ رقيته لنفسه في حال تمكّنه أنفع.


  • اقتران النّفث بقراءة الرقية مباشرة

إنّ الاكتفاء بسماع الرقية الشرعية يخلو من النّفث المسنون عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، إذْ يُسنّ أن تكون الرقية الشرعية مقرونةً بالنّفث، وهذا لا يحصل إلا بقراءتها مباشرة، قال ابن أبي جمرة: "محلّ التّفل في الرقية يكون بعد القراءة؛ لتحصيل بركة القراءة في الجوارح التي يمرّ عليها الريق، فتحصل البركة في الريق الذي يتفله".[٤]


ويدلّ على سُنّة النّفث بعد قراءة الرقية ما ثبت عن عائشة -رضي الله عنها-، فقد قالت: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِن أَهْلِهِ، نَفَثَ عليه بالمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الذي مَاتَ فِيهِ، جَعَلْتُ أَنْفُثُ عليه وَأَمْسَحُهُ بيَدِ نَفْسِهِ، لأنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِن يَدِي).[٥]


لِذلك مَن استطاع أن يرقي نفسه مباشرة بقراءة آيات الرقية حتى ينفث على نفسه، أو ينفث في الماء الذي سيشربه، أو ينفث في كفّيه ويمسح بهما ما استطاع من بدنِه فإنّ ذلك هو الأنفع بإذن الله، فإن لم يتمكّن من ذلك فلعلّ في قراءتها من أحد الرّقاة الثّقات عليه نفعاً أكثر من سماعها، حتى يحصل النفث المسنون على المريض، وهذا لا يعني أنّ سماعها لا يُفيد.


  • وضع اليد على موضع الألم

يُستحسن للمريض عند قراءته للرقية الشرعية أن يضع يده على ناصيته أو على موضع الألم إن استطاع ذلك،[٦] وهذا لا يحصل في الرقية المسموعة، وقد ثبت أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يوصي بوضع اليد مكان الألم عند قراءة بعض الأوراد والأدعية، فمثلاً يُسنّ للمسلم أن يضع يده على موطن ألمه ويدعو سبع مرات بدعاء: (أَعُوذُ باللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِن شَرِّ ما أَجِدُ وَأُحَاذِرُ).[٧]

المراجع

  1. محمد صالح المنجد، الإسلام سؤال وجواب، صفحة 8398، جزء 5. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 3392، جزء 1. بتصرّف.
  3. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 3487، جزء 1. بتصرّف.
  4. إبراهيم بن سعد أبا حسين، معجم التوحيد، صفحة 238، جزء 2.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم المؤمنين عائشة، الصفحة أو الرقم:2192، صحيح.
  6. د. خالد الجريسي، "إرشادات عامة يجب أن تراعى عند الرقية الشرعية"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 10/5/2023. بتصرّف.
  7. رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن نافع بن جبير ، الصفحة أو الرقم:2202 ، صحيح.