فضل سورة القلم في الرقية

إنّ فضائل السور على وجه العموم لا تثبت إلا بما صحّ به الدليل الشرعي، ولا يجوز إثبات فضلٍ خاص بسورةٍ معيّنة لم يثبته لها النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أمّا في باب الرّقية الشّرعية والعلاج فالأمر في ذلك واسع، والقرآن الكريم كلّه خير وبركة وشفاء بإذن الله، ومَن جرّب شيئاً من الآيات والسّور في باب الرقية للعلاج أو غيره وانتفع به فلا بأس أن يعمل به دائماً، وينفع به غيره، حتى وإنْ لم يثبت للسورة فضل خاص في ذلك بالأحاديث؛ كما الأمر في سورة القلم.[١]


والأصل في ذلك قول الله -تعالى-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ)، [الإسراء:82] بالإضافة إلى ما أخرجه الإمام من مسلم عن عوف الأشجعي -رضي الله عنه-، حيث قال: (كُنَّا نَرْقِي في الجَاهِلِيَّةِ، فَقُلْنَا: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ تَرَى في ذلكَ؟ فَقالَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لا بَأْسَ بالرُّقَى ما لَمْ يَكُنْ فيه شِرْكٌ).[٢]


ويجدر بالذّكر أنّ أهل العلم والصّالحين والرّقاة يُركّزون على قول الله -تعالى- في سورة القلم: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ* وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ)، [القلم:51-52] ويُضمّنون هذه الآيتين الكريمتين مع آيات الرقية الشرعية التي تنفع بإذن الله في حفظ المسلم من العين والحسد ونحوهما،[٣] فيجوز قراءة هذه السورة الكريمة في باب الرقية أو تكرار هذه الآيتين مع آيات الرقية الشرعية.


ويكفي في الرقية حتى تكون مشروعة الشروط الآتية:[٤]

  • أن تكون بسور القرآن الكريم أو آيات سوره، أو بأسماء الله الحسنى وصفاته، أو بدعاء النبيّ -صلى الله عليه وسلم-.
  • أن تكون باللّغة العربية أو بما يُعرف معناه ويُميّز عن غيره.
  • أن يوقن المسلم أنّ الشفاء بيد الله -تعالى-، وأنه القادر على كل الشيء، أما الرقية فهي سببٌ من الأسباب.


سور وآيات ثبت فيها الفضل في الرقية

من السّور والآيات القرآنية الكريمة التي ثبت فيها فضلٌ خاص في باب العلاج والرقية ما يأتي:[٥][٦]

  • الرقية بسورة الفاتحة (أم الكتاب)

ثبت مشروعية الرّقية بسورة الفاتحة في الحديث عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: (كُنَّا في مَسِيرٍ لنا فَنَزَلْنا، فَجاءَتْ جارِيَةٌ، فقالَتْ: إنَّ سَيِّدَ الحَيِّ سَلِيمٌ، وإنَّ نَفَرَنا غَيْبٌ، فَهلْ مِنكُم راقٍ؟ فَقامَ معها رَجُلٌ ما كُنَّا نَأْبُنُهُ برُقْيَةٍ، فَرَقاهُ فَبَرَأَ، فأمَرَ له بثَلاثِينَ شاةً، وسَقانا لَبَنًا، فَلَمَّا رَجَعَ قُلْنا له: أكُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً -أوْ كُنْتَ تَرْقِي؟- قالَ: لا، ما رَقَيْتُ إلَّا بأُمِّ الكِتابِ، قُلْنا: لا تُحْدِثُوا شيئًا حتَّى نَأْتِيَ -أوْ نَسْأَلَ- النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا قَدِمْنا المَدِينَةَ ذَكَرْناهُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَ: وما كانَ يُدْرِيهِ أنَّها رُقْيَةٌ؟ اقْسِمُوا واضْرِبُوا لي بسَهْمٍ).[٧]


  • الرقية بسورة البقرة

الأدلة على مشروعية الرّقية بسورة البقرة متعدّدة، ومنها قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ)،[٨] وقال: (لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إنَّ الشَّيْطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ البَقَرَةِ).[٩]


  • آخر آيتين من سورة البقرة

قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن قَرَأَ بالآيَتَيْنِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتاهُ).[١٠]


  • سورة الإخلاص والمعوّذتين

عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أوَى إلى فِرَاشِهِ، نَفَثَ في كَفَّيْهِ بقُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ وبِالْمُعَوِّذَتَيْنِ جَمِيعًا، ثُمَّ يَمْسَحُ بهِما وجْهَهُ، وما بَلَغَتْ يَدَاهُ مِن جَسَدِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا اشْتَكَى كانَ يَأْمُرُنِي أنْ أفْعَلَ ذلكَ به)،[١١] وقال -عليه الصلاة والسلام-: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوِّذتينِ حينَ تُمسي وتصبحُ ثلاثَ مرَّاتٍ تَكفيكَ من كلِّ شيءٍ).[١٢]


رُقى مشروعة من كتاب الله وسنة نبيّه

إنّ القرآن الكريم كلّه شفاءٌ ورحمة، ويُستشفى بجميع سوره وآياته كما أشرنا في بداية المقال، فلم تُحدّد الرقية في سورٍ دون غيرها، ولا أدعية معيّنة دون سِواها، بل أطلق النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الكلام عندما قال: (... لا بَأْسَ بالرُّقَى ما لَمْ يَكُنْ فيه شِرْكٌ)،[٢] فلا يقتصر الاستشفاء بالقرآن على الآيات التي ثبت فيها فضل بذلك.[١٣]


لِذا جمع أهل العلم العديد من الآيات والأدعية والتحصينات التي نفعت الكثير من ناس في باب الرقية الشرعية، ونذكر بعضها فيما يأتي:

  • (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ* إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ* اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ). [الفاتحة:1-7]
  • (الم* ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). [البقرة:1-5]
  • (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ). [البقرة:255]
  • (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ* لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة:285-286]
  • (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ* فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ* فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ). [آل عمران:117-119]
  • (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ). [الأنعام:17-18]
  • (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). [يوسف:64]  
  • (وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ وَلا يَزيدُ الظّالِمينَ إِلّا خَسارًا). [الإسراء:82]  
  • (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ* وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ). [القلم:51-52]
  • (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ* لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ* وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ* وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ). [الكافرون:1-6]
  • (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ). [الإخلاص:1-4]
  • (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ* مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ* وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ* وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ* وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ). [الفلق:1-5]
  • (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ* مَلِكِ النَّاسِ* إِلَهِ النَّاسِ* مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ* الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ* مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاس). [الناس:1-6]
  • (بسمِ اللهِ الَّذي لا يَضُرُّ مع اسمِهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماءِ وهو السَّميعُ، ثلاثَ مرَّاتٍ).[١٤]
  • (باسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِن كُلِّ شيءٍ يُؤْذِيكَ، مِن شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ، أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ باسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ).[١٥]
  • (أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة).[١٦]
  • (أذْهِبِ البأس رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وأَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا).[١٧]

المراجع

  1. ↑ "فضائل سور (الأنبياء - الصافات - يس - الجن)"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 24/1/2023. بتصرّف.
  2. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عوف بن مالك الأشجعي، الصفحة أو الرقم:2200، صحيح.
  3. ↑ مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 3538، جزء 1. بتصرّف.
  4. ↑ سعيد القحطاني، الذكر والدعاء والعلاج بالرقى من الكتاب والسنة، صفحة 1220، جزء 4. بتصرّف.
  5. ↑ "فضائل ثابتة وأخرى لم تثبت في فضل بعض سور القرآن"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 24/1/2023.
  6. ↑ "صحيح فضائل السور"، الكلم الطيب، اطّلع عليه بتاريخ 24/1/2023.
  7. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:5007، صحيح.
  8. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:804، صحيح.
  9. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:780، صحيح.
  10. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، الصفحة أو الرقم:5009، صحيح.
  11. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:5748، صحيح.
  12. ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبدالله بن خبيب، الصفحة أو الرقم:3575، حسنه الألباني.
  13. ↑ خالد الجريسي، التحصين من كيد الشياطين، صفحة 275. بتصرّف.
  14. ↑ رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم:1919، صحيح الإسناد.
  15. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:2186 ، صحيح.
  16. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:3371، صحيح.
  17. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:5675، صحيح.