رقية العقرب

جاء في السنة النبوية أكثر من حديثٍ يتعلّق بما يقوله المسلم ويفعله لتحصين نفسه من العقرب أو من لدغها، وفيه ما ينفع المسلم بإذن الله إذا استحضر من خلالها تحصين نفسه، مع التنبيه إلى أهميّة الأخذ بالأسباب الأخرى؛ كالتداوي والعلاج ونحوه، ونذكر ما جاء في الأحاديث عن رقية العقرب فيما يأتي:


الرقية بالمعوّذتين والماء والملح

جاء في بعض الأحاديث أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لدغته عقرب، فقال: (لعنَ اللهُ العقربَ ما تدعُ المصلِّيَ وغيرَ المصلِّي)،[١] ثم أمر بإناءٍ فيه ماء وملح، ووضع مكان اللّدغة فيه، وجعل يقرأ "قل هو الله أحد" والمعوّذتين حتى سكنت، وهذه الرواية صحّحها الألباني.[٢]


وقد استشهد بها ابن القيّم -رحمه الله- في كتابه "الطبّ النبوي"، وبيّن أنّ هذه الرقية فيها علاجٌ مُركَّب؛ أحدهما إلهي والآخر طبيعي، وذلك على النحو الآتي:[٣]

  • العلاج الربّاني: ذكر ابن القيم أنّ سورة الإخلاص فيها إثبات التوحيد والكمال والصمدية لله -تعالى-، فإليه تصمد الخلائق في حاجاتها، أمّا المعوّذتان ففيهما الاستعاذة من كل سوءٍ ومكروه، وهي تُحصّن المسلم من الشرّ قبل وقوعه -بإذن الله-.
  • العلاج الطبيعي: وهو الماء والملح، حيث يُفيد في لدغة العقرب، ويُطهّر موضع اللّدغة من السّموم.


ثمّ قال ابن القيم: "وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَدْوِيَةَ الطَّبِيعِيَّةَ الْإِلَهِيَّةَ تَنْفَعُ مِنَ الدَّاءِ بَعْدَ حُصُولِهِ، وَتَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِهِ، وَإِنْ وَقَعَ لَمْ يَقَعْ وُقُوعًا مُضِرًّا، وَإِنْ كَانَ مُؤْذِيًا، وَالْأَدْوِيَةُ الطَّبِيعِيَّةُ إِنَّمَا تَنْفَعُ، بَعْدَ حُصُولِ الدَّاءِ، فَالتَّعَوُّذَاتُ وَالْأَذْكَارُ، إِمَّا أَنْ تَمْنَعَ وُقُوعَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَإِمَّا أَنْ تَحُولَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ كَمَالِ تَأْثِيرِهَا بِحَسَبِ كَمَالِ التَّعَوُّذِ وَقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ".[٤]


الرقية بالدّعاء الثابت عن النبي

أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال: (جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، ما لَقِيتُ مِن عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي البَارِحَةَ، قالَ: أَمَا لو قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ، لَمْ تَضُرَّكَ).[٥]


آيات نافعة في رقية العقرب

القرآن الكريم فيه الخير والشفاء والبركة، وللمسلم أن يرقي نفسه بآياته مستحضراً هذه النيّة ومُخلصاً إلى الله -سبحانه-، وقد ذكر بعض أهل العلم آيتين تنفعان في رقية لدغة العقرب خصوصاً -بإذن الله-، على أنّ اختيار هاتين الآيتين اجتهاديّ لم يثبت في النّص، وإنّما من تجارب الصالحين، وهما:[٦]

  • (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ). [الصافات:79]
  • (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). [النمل:8-9]


دليل مشروعية رقية العقرب

رقية العقرب جائزة إذا كانت بكتاب الله -تعالى- وبذكره، لا بالعجمية والفارسية،[٧] ويدلّ على ذلك ما أخرجه الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-، حيث قال: (لَدَغَتْ رَجُلًا مِنَّا عَقْرَبٌ وَنَحْنُ جُلُوسٌ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللهِ، أَرْقِي؟ قالَ: مَنِ اسْتَطَاعَ مِنكُم أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ)،[٨] وقال -عليه الصلاة والسلام-: (لا بَأْسَ بالرُّقَى ما لَمْ يَكُنْ فيه شِرْكٌ).[٩]



مواضيع أخرى:

رقية تخفيف الألم

آيات الرقية للشفاء

المراجع

  1. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1037، صححه الألباني.
  2. "شرح حديث (لعن اللهُ العقربَ)"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 4/12/2022. بتصرّف.
  3. ابن القيم، الطب النبوي، صفحة 133-136. بتصرّف.
  4. ابن القيم، الطب النبوي، صفحة 135.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2709، صحيح.
  6. عبد الملك بن حبيب، العلاج بالأعشاب، صفحة 115.
  7. الدميري، حياة الحيوان الكبرى، صفحة 190، جزء 2. بتصرّف.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:2199، صحيح.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عوف بن مالك الأشجعي، الصفحة أو الرقم:2200، صحيح.